الذهب والنفط والدولار يقفزون معًا...أي تأثيرات؟
سجّلت أسعار الذهب ارتفاعًا للأسبوع الثاني على التوالي، مدعومة بعودة الطلب على الملاذات الآمنة، وسط تصاعد التوترات التجارية العالمية عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة.
وحسب بيانات الأسواق، ارتفع سعر أونصة الذهب بنسبة 0.6% خلال الأسبوع الماضي، ليتداول بين أدنى مستوى عند 3282 دولارًا، وأعلى مستوى في أسبوعين عند 3368 دولارًا، قبل أن يغلق عند 3355 دولارًا للأونصة.
وخلال جلسة الجمعة، حقق الذهب مكاسب إضافية بنسبة 1%، ليتجاوز مستوى المقاومة الفني عند 3350 دولارًا، ما يعزز التوقعات بمواصلة الصعود في الفترة المقبلة، خاصة مع ظهور مؤشرات فنية إيجابية تعكس استمرار الزخم الصاعد، وفقًا لتقارير صادرة عن "جولد بيليون".
ويأتي هذا الأداء القوي للذهب في ظل تراجع شهية المخاطرة في الأسواق العالمية، مع إعلان ترمب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 35% على واردات من كندا، إلى جانب نية واشنطن فرض رسوم تتراوح بين 15% و20% على باقي شركائها التجاريين، ما أشعل مخاوف المستثمرين من تفاقم النزاع التجاري العالمي.
أسعار النفط ترتفع بدعم من توقعات العرض والطلب الصيفي
حققت أسعار النفط مكاسب أسبوعية قوية، مدفوعة بزيادة وتيرة نشاط المصافي حول العالم لتلبية الطلب الموسمي المرتفع على الوقود والكهرباء خلال الصيف، إلى جانب تقييم الأسواق لاحتمال فرض عقوبات إضافية على روسيا.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 1.72 دولار أو ما يعادل 2.5% لتصل إلى 70.36 دولارًا للبرميل عند التسوية، فيما صعد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بمقدار 1.88 دولار أو 2.8% إلى 68.45 دولارًا للبرميل.
وعلى أساس أسبوعي، سجل خام برنت مكاسب بنسبة 3%، في حين ارتفع خام غرب تكساس الوسيط بنحو 2.2%.
وكانت وكالة الطاقة الدولية قد أشارت إلى أن الإمدادات في السوق العالمية تبدو أقل مما هو معلن، في ظل زيادة طاقة التكرير خلال موسم الصيف لتلبية الطلب المتزايد على السفر وتوليد الكهرباء، حيث أظهرت عقود برنت لتسليم سبتمبر تقدمًا بـ1.20 دولار عن عقود أكتوبر 2025.
الدولار يسجّل أفضل أداء أسبوعي منذ أكثر من أربعة أشهر
في المقابل، سجّل الدولار الأمريكي أفضل أداء أسبوعي له منذ نهاية فبراير، مستفيدًا من تنامي المخاوف بشأن تصاعد التوترات التجارية وما قد يترتب عليها من آثار تضخمية على الاقتصاد العالمي.
وارتفع مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري بنسبة 0.73%، بعد تراجع استمر أسبوعين متتاليين، مع تراجع حاد في أداء الين الياباني والجنيه الإسترليني ضمن سلة العملات الكبرى.
ورغم أن المستثمرين كانوا قد قلصوا رهاناتهم على الدولار مؤخرًا بسبب المخاوف المرتبطة بالعجز المالي والإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة، فإن التصعيد الأخير في السياسات التجارية الأمريكية دفع الأسواق إلى إعادة تقييم المخاطر، خصوصًا في ظل المخاوف المتزايدة من التضخم والضغوط التي قد تتعرض لها الأسواق الناشئة والقطاعات الحساسة للتجارة العالمية.
كيف تؤثر هذه التحركات على الاقتصاد العالمي؟
تمثل الارتفاعات الأخيرة في أسعار الذهب والنفط والدولار مؤشرًا على عودة القلق إلى الأسواق العالمية، وهو ما يُنذر بتباطؤ اقتصادي محتمل في عدد من الاقتصادات الكبرى.
إذ يؤدي ارتفاع الذهب عادةً إلى إشارات سلبية بشأن ثقة المستثمرين في الاستقرار المالي العالمي، ويُعتبر تحوّل السيولة نحو الأصول الآمنة مؤشرًا على تصاعد المخاطر الجيوسياسية أو ضعف التوقعات للنمو.
وفي سياق موازٍ، تؤثر زيادة أسعار النفط على تكلفة الإنتاج والنقل عالميًا، مما يعزز من احتمالات التضخم، ويدفع البنوك المركزية إلى إعادة النظر في سياساتها النقدية، سواء عبر تشديد السياسة أو كبح السيولة.
وفي الدول المستوردة للطاقة، قد يضغط ارتفاع الأسعار على الميزانيات العامة ويرفع كلفة الدعم، وهو ما ينعكس على المستهلك النهائي.
أما صعود الدولار، فيزيد من تكلفة الديون المقومة بالدولار على الاقتصادات الناشئة، ويؤدي إلى نزوح رؤوس الأموال من تلك الأسواق نحو الأصول الأمريكية، ما يعمق التفاوت المالي بين الاقتصادات المتقدمة والنامية.
كل هذه العوامل مجتمعة تعزز من احتمالية الدخول في مرحلة من التباطؤ الاقتصادي العالمي إذا استمر هذا الاتجاه التصاعدي في أسعار السلع والعملات، دون تدخلات فعالة من صناع القرار الاقتصادي حول العالم.
صلاح الدين كريمي